وإذا فهذا اللون من الوعظ موجه إلى الذين يتهالكون على الدنيا تهالكا خطرا يجرهم إلى أمرين خطيرين: أولهما تزييف الواقع الذي يحيونه، وهذا ما يسميه بطول الامل، وثانيهما ضمور الحاسة الأخلاقية في النفس، إلى حد يجعل الانسان ضعيفا أمام رغائبه وأهوائه. ويترك إلى هذه الرغائب والأهواء أمر صياغة مصيره.
قال عليه السلام:
(أيها الناس، ان أخوف ما أخاف عليكم اثنان:
اتباع الهوى وطول الامل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. وأما طول الامل فينسي الآخرة. ألا وان الدنيا قد ولت حذاء (1)، فلم يبق منها إلا صبابة (2) كصبابة الاناء اصطبها صابها، ألا وإن الآخرة قد أقبلت، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة وان اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل (3)).
العمل للدنيا على نحو يوجب ضمور الحس الأخلاقي في النفس، وعلى نحو يوجب تزييف الواقع وحسبان الخلود، مما يوجب نسيان الآخرة، والاندفاع في حياة مادية، تجرد الانسان من معناه الانساني لتحيله إلى مجرد آلة لجمع النقود والاستمتاع، هذا العمل شر كله، لأنه يفسد الشخصية الانسانية ويهبط بها، ولذلك فهو عمل منهي عنه.