- حماد: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل، فقال: أما والله ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورعا في الله، ساكتا سكينا، عميق النظر، طويل الفكر، حديد النظر، مستعبرا بالعبر، لم ينم نهارا قط، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره، وعمق نظره، وتحفظه في أمره، ولم يضحك من شئ قط مخافة الإثم، ولم يغضب قط، ولم يمازح انسانا قط، ولم يفرح بشئ إن أتاه من أمر الدنيا، ولا حزن منها على شئ قط.
وقد نكح من النساء وولد له من الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم أفراطا (1)، فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما، ولم يمض عنهما حتى يحابا، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة ما ابتلوا به، ويرحم للملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك، ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشيطان.
فكان يداوي قلبه بالفكر، ويداوي نفسه بالعبر، وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه، فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة، فإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة، فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم، فقالوا: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع والطاعة لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني، وإن هو خيرني قبلت العافية،