إن عصرا تلغى فيه قيمة الفوارق المادية على الإطلاق، ويستوي فيه الحاكم والمحكوم في نظر القانون (1)، ومجالات تنفيذه، ويجعل مدار القيمة المعنوية، والكرامة المحترمة فيه تقوى الله (2) التي هي تطهير روحي، وصيانة للضمير، وارتفاع بالنفس إلى آفاق من المثالية الرفيعة، ويحرم في عرفه احترام الغني لأنه غني، وإهانة الفقير لأنه فقير، ولا يفرق فيه بين الأشخاص إلا بمقدار الطاقة الانتاجية (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (3).
ويتسارع فيه إلى لجهاد لصالح النوعي الإنساني الذي معناه إلغاء مذهب السعادة الشخصية في هذه ا لدنيا، وإخراجها عن حساب الأعمال (4).
(أقول) إن العصر الذي تجتمع له كل هذه المفاخر لهو خليق بالتقديس والتبجيل والإعجاب والتقدير، ولكن ماذا أراني دفعت إلى التوسع في أمر لم أكن أريد أن أطيل فيه؟ وليس لي أن أفرط في جنب الموضوع الذي أحاوله بالتوسع في أمر آخر، ولكنها الحماسة لذلك العصر هي التي دفعتني إلى ذلك، فهو بلا ريب زين العصور في الروحانية والاستقامة. أنا أفهم هذا