فإذا استطاع شخص أن يقرأ أفكار عالم من علماء الأخلاق، ويهذب نفسه على هدى تلك الأفكار، لم يصح تسمية ذلك العالم مهذبا، لأن إيجاد أي شئ سواء أكان تهذيبا أو توريثا أو تعليما أو نحو ذلك لا يستقيم إسناده إلى شخص إلا إذا كان للشخص عمل إيجابي، وتأثير ملحوظ في تحقق ذلك الشئ الموجود. والأنبياء وإن حازوا شيئا من العقارات والدور، ولكن ذلك لم يكن بسعي منهم وراء المال كما هو شأن الناس جميعا. ونقرر علاوة على هذا أن المقصود من الكلام ليس هو بيان أن الأنبياء لا يورثون ولا يتركون مالا، بل ما يدل عليه ذلك من مقامهم وامتيازهم. وما دامت الجملة كذلك ولم يكن الهدف الحقيقي منها بيان معناها الحرفي، فلا يمنع حيازة الأنبياء لبعض تلك الأموال عن صواب التفسير الذي قدمناه، كما أن من كنى قديما عن الكريم بأنه كثير الرماد (1) لم يكن كاذبا سواء أكان في بيت الكريم رماد، أو لا، لأنه لم يرد نعته بهذا الوصف حقا وإنما أشار به إلى كرمه، لان أظهر لوازم الكرم يومذاك كثرة المطابخ الموجبة لكثرة الرماد. وعدم التوريث من أوضح آثار الزهد والورع، فيجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أشار إلى ورع الأنبياء بقوله: إن الأنبياء لا يورثون.
10 - ولأجل أن نتبين معنى القسم الثاني من صيغ الحديث يلزمنا أن نميز بين معان ثلاثة -: