أجلى دلالة وأكثر مادية من الزهد في الدنيا، ولذائذها الزائفة، ومتعها الفانية. فماذا لا يجوز لنا افتراض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يشير إلى أن الأنبياء أناس ملائكيون وبشر من الطراز الأسمى الذي لا تشوبه الأنانيات الأرضية والأهواء البشرية؟ لأن طبيعتهم قد اشتقت من عناصر السماء - بمعناها الرمزي - المتدفقة بالخير لا من مواد هذا العالم الأرضي، فهم أبدا ودائما منابع الخير، والطالعون بالنور، والمورثون للأيمان والحكمة، والمركزون للسلطان الإلهي في الأرض. وليسوا مصادر للثروة بمعناها المصطلح عليه في عرف الناس، ولا بالساعين وراء نفائسها. ولماذا لا يكون قوله: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دار ا) كناية عن هذا المعنى؟ لأن توريثهم لهذه الأشياء إنما يكون بحيازتهم لها، وتركهم إياها بعد موتهم وهم منصرفون عنها، لا يحسبون لها حسابا ولا يقيمون لها وزنا ليحصلوا على شئ منها. فما هو تحت اللفظ نفي التوريث لعدم وجود التركة كما إذا قلنا: إن الفقراء لا يورثون، لا أنهم يختصون عن سائر الناس بحكم يقتضي بعدم جريان أحكام الإرث على تركاتهم.
والهدف الأصلي من الكلام بيان جلال الأنبياء. وهذا الأسلوب من البيان مما يتفق مع الأساليب النبوية الرائعة التي تطفح بالمعاني الكبار وتزخر بأسماها في موجاتها اللفظية القصيرة.
4 - ولكي تتفق معي على تفسير معين للحديث، يلزم أن نعرف معنى التوريث لنفهم الجملة النافية له كما يلزم. و 70 معنى التوريث جعل شئ ميراثا، فالمورث من يكون سببا لانتقال المال من الميت إلى قريبه (1) وهذا