فأتيته الثانية فقيل: إنه يأكل فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع الله بطنه قال: فما شبع بعدها (1).
هذا الحديث ذكره ابن كثير في عد مناقب معاوية فقال: قد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه، أما في دنياه فإنه لما صار إلى الشام أميرا، كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا ويقول: والله ما أشبع وإنما أعياه، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك. وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اللهم إنما أنا بشر فإيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة. فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية، ولم يورد له غير ذلك. 1 ه قال الأميني: هنا يرتج علي القول في مسائلة هذا المدافع عن ابن هند والناحت له فضيلة مركبة من رذيلة ثابتة لمعاوية، وأفيكة مفتراة على قدس صاحب الرسالة، إنه هل عرف النافع من الضار، فحكم بانتفاع معاوية بالدعوة المذكورة في دنياه وأخراه؟
وإنه هل عرف حدود الانسانية وكمال النفس؟ ولا أظنه، وإلا لما حكم بأن الذي كان يرغب فيه معاوية وحسب إنه يرغب فيه الملوك من كثرة الأكل وقوة المعدة إلى ذلك الحد الممقوت المساوق حد البهائم نعمة من نعم الله أتت ابن آكلة الأكباد ببركة دعوة النبي المعصوم صلى الله عليه وآله ولم يعرف من سعادة الحياة إلا أن يملأ أكراشا جوفا وأجربة سغبا، وما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، يحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه (2).
ثم إن الذي يتبين من تضاعيف الروايات وخصوصيات المقام إن المورد مورد نقمة لا مورد رحمة، وإنما الدعاء عليه لا له كيفما تمحل ابن كثير، فقد طعن على الرجل