له رئيسها بما يحب ويروم. فولاه منصب القضاء، وسطع نور أمله هناك وأضاء. ولم يزل مجتليا به وجوه أمانيه الحسان، ومجتنيا من رياضه أزاهر المحاسن والإحسان.
إلى أن انقضت مدة ذلك الأمير، ومني اليمن بعده بالافساد والتدمير. فانقلب إلى وطنه وأهله، فكابد حزن العيش بعد سهله. كما أنبأ بذلك قوله في بعض كتبه: ولما حصلت عائدا من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا، وانقضاء ذلك الزمن، اخترت الإقامة في الوطن بعد التشرف بمجلس القضاء في ذلك العطن، إلا أنه لم يحل لي التحلي عن تذكر ما كان في خزانة الخيال مرسوما، وتفكر ما كان في لوح المفكرة موسوما. فاخترت أن أكون مدرسا في البلد الحرام، وممارسا لما أذن غب الحصول بالانصرام. ولم يكن في البلد الأمين كفاية، ولا ما يقوم به الإتمام والوفاية. إنتهى وما زال مقيما في وطنه وبلده، متدرعا جلباب صبره وجلده. حتى انصرمت من العيش مدته، وتمت من الحياة عدته.
ثم ذكر جملة وافية من منثور كلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال: ومن شعره قوله في صدر كتاب:
هذا نظامك أم در بمنتسق؟ * أم الدراري التي لاحت على الأفق؟
وذا كلامك أم سحر به سلبت * نهى العقول فتتلو سورة الفلق؟
وذا بيانك أم صهباء شعشعها * أغن ذو مقلة مكحولة الحدق؟
بتاج كل مليك منه لامعة * وجيد كل مجيد منه في أنق روض من الزهر والأنوار زاهية * كأنجم الأفق في اللألاء والنمق وذي حمائم ألفاظ سجعن ضحى * على الخمائل غب العارض الغدق رسالة كفراديس الجنان بها * من كل مؤتلق يلفى ومنتشق كأنما الألفات المائلات بها * غصون بان على أيد من الورق تعلو منابرها الهمزات صادحة * كالورق ناحت على الأفنان من حرق ميماتها كثغور يبتسمن بها * يزري على الدر إذ يزهي على العنق فطرسها كبياض الصبح من يقق * ونقسها (1) كسواد لليل في غسق