فهو شديد عليهم وهم خيرة أمة محمد المسلمة، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا. فالحكم للنصفة لا غيرها.
كأن هاهنا نسيت ثارات عثمان وعادت تبعة أولئك المضطهدين محض ولاء علي أمير المؤمنين عليه السلام وقد قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله، وحبهم لمن يحبه الله ورسوله، وطاعتهم لمن فرض الله طاعته، وودهم من جعل الله وده أجر الرسالة. فلم يقصد معاوية وعماله أحدا بسوء إلا هؤلاء، فطفق يرتكب منهم ما لا يرتكب إلا من أهل الردة والمحادة لله ولرسوله. فكان الطريد اللعين ابن الطريد اللعين مروان، وأزني ثقيف مغيرة بن شعبة، وأغيلمة قريش الفسقة في أمن ودعة، وكان يولي لأعماله الزعانفة الفجرة أعداء أهل بيت الوحي: بسر بن أرطاة، ومروان بن الحكم، ومغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، وعبد الله الفزاري، وسفيان بن عوف، والنعمان بن بشير، والضحاك بن قيس، وسمرة بن جندب، ونظرائهم، يستعملهم على عباد الله وهو يعرفهم حق المعرفة ولا يبالي بقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من تولى من أمر المسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين (1). فكانوا يقترفون السيئات، ويجترحون المآثم بأمر منه ورغبة، ولم تكن عنده حريجة من الدين تزعه عن تلكم الجرائم، فأمر بالإغارة على مكة المكرمة وقد جعلها الله بلدا آمنا يأمن من حل بها وإن كان كافرا، ولأهلها وطيرها ووحشها ونباتها حرمات عند الله، وهي التي حقنت دم أبي سفيان ومن على شاكلته من حامل ألوية الكفر والالحاد، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يرعاها كل الرعاية يوم الفتح وغيره، فما عامل أهلها هو وجيشه الفاتح إلا بكل جميل، وكان صلى الله عليه وآله يقول:
إن هذا بلد حرم الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها (2).