بقوله: إن رسول الله قتلهما. أو إن الرجل وجد حمرا مستنفرة فألجمها وألجم مراشدها بتلكم التمويهات؟ وكل هذه معقولة غير مستعصية على استقراء أعمال معاوية وأفعاله.
ثم ماذا يعني بقوله: أفسدت علي... أيريد كبحا أمام جري السنة الشريفة؟
أو يروم إسدال غطاء على مجاليها؟ أو الإعراض عن مدلولها لأنه لا يلائم خطته؟ ولا يستبعد شئ من ذلك ممن طبع الله على قلبه وهو ألد الخصام.
ولما حدثه عبادة بن الصامت حديث حرمة الربا (1) وقد نطق بها القرآن الكريم فقال: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره. فقال عبادة: بلى وإن رغم أنف معاوية. ولما سمع من عبادة حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن هذا لا يقول شيئا.
فلم يك يرى قول رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يعبأ به ويصاخ إليه، ويعدل عليه.
ولما قدم المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري (2) فقال له معاوية: يا أبا قتادة! تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار! ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دواب. فقال معاوية:
فأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. قال: نعم يا أبا قتادة! قال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إنا سنرى بعده أثرة. قال معاوية:
فما أمركم به عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبر. قال: فاصبروا حتى تلقوه. قال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه قول معاوية:
ألا أبلغ معاوية بن صخر * أمير المؤمنين عني كلامي فأنا صابرون ومنظروكم * إلى يوم التغابن والخصام (3) وحق القول: إن المخذول لا يخضع لهتاف النبوة، ولا إنهم سوف يلقون صاحبها، ويرفعون إليه ظلامتهم، فيحكم لهم على من استأثر عليهم، وحسبه ذلك إلحادا وبغيا.