فلم يعبئوا به إلا بعد ما اضطروا إلى التترس به، وقد أخبر بذلك الإمام قبل وقوع الواقعة فيما كتب إلى معاوية: وكأني بك غدا وأنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، وستدعوني أنت وأصحابي إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم، وتجحدونه بقلوبكم. شرح ابن أبي الحديد 3: 411، ج 4: 50.
وفي كتاب آخر له عليه السلام إليه وكأني بجماعتك تدعوني - جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله، وهي كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة (نهج البلاغة 2: 12) فقد صدق الخبر الخبر واتخذوه جنة مكرا وخداعا يوم رفعت المصاحف وكانوا كما قال مولانا أمير المؤمنين يومئذ: عباد الله إني أحق من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة (1) ولم يأل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم جهدا في تحذير المسلمين عن التورط في هذه الفتنة العمياء بخصوصها، ويعرفهم مكانة أمير المؤمنين، ويكرههم مسه بشئ من الأذى من قتال أو سب أو لعن أو بغض أو تقاعد عن نصرته، ويحثهم على ولائه و اتباعه واقتصاص أثره والكون معه بعد ما قرن الله ولايته بولايته وولاية الرسول وطاعته بطاعتهما فقال: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (2) وقوله تعالى: (3) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (4).
لكن معاوية لم يقنعه الكتاب والسنة فباء بتلكم الآثام كلها، وجانب هاتيك الأحكام الواجبة جمعاء، فكان من القاسطين وهو يرأسهم، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (5)