تجعل الظلمات نورا، والنور ظلمات. فقال معاوية: إن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته، التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله. فقال عبد الله بن الكواء، يا ابن أبي سفيان إن لكل كلام جوابا ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذبينا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلا فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه. قال: والله لا يطلق لك لسان.
ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما أردت و ليس الأمر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا، ودانهم كبرا، و استولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا؟ أما والله مالك في يوم البدر مضرب ولا مرمى، و ما كنت فيه إلا كما قال القائل (لا حلى ولا سيرى) ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقكما رسول الله صلى الله وعليه وسلم فأنى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية لولا أني أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم. " مروج الذهب 2: 78 " 77 - عن أبي مزروع الكلبي قال: دخل صعصعة بن صوحان على معاوية فقال له يا ابن صوحان أنت ذو معرفة بالعرب وبحالها - إلى أن قال -: فأخبرني عن أهل الحجاز.
قال: أسرع الناس إلى فتنة، وأضعفهم عنها، وأقلهم عناء فيها، غير أن لهم ثباتا في الدين وتمسكا بعروة اليقين، يتبعون الأئمة الأبرار، ويخلعون الفسقة الفجار. فقال معاوية:
من البررة والفسقة؟ فقال: يا ابن أبي سفيان! ترك الخداع من كشف القناع، علي وأصحابه من الأئمة الأبرار، وأنت وأصحابك من أولئك.
إلى أن قال معاوية: أخبرني عن أهل الشام. قال: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم للخالق، عصاة الجبار، وحلفة الأشرار، فعليهم الدمار، ولهم سوء الدار. فقال معاوية:
والله يا ابن صوحان! إنك لحامل مديتك منذ أزمان إلا أن حلم ابن أبي سفيان يرد عنك فقال صعصعة: بل أمر الله وقدرته، إن أمر الله كان قدرا مقدورا. (1)