حاجا وأخذ البيعة ليزيد وخطب ومدح يزيد الطاغية ووصفه بالعلم بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصم الصلاب. فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:
أما بعد: يا معاوية! فلن يؤدي القائل - وإن أطنب - في صفة الرسول صلى الله عليه وسلم من جميع جزءا، قد فهمت ما ألبست به الخلف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيجاز الصفة، والتنكب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حق من أتم حقه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المتهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق أكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدم باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك و بين الموت إلا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر، ومنعتنا عن آبائنا تراثا، ولقد - لعمر الله - أورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول عليه الصلاة والسلام، فأذعن للحجة بذلك، ورده الإيمان إلى النصف، فركبتم الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم: كان ويكون، حتى أتاك الأمر يا معاوية! من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار. الخطبة.
الإمامة والسياسة 1: 153، جمهرة الخطب 2: 242.
54 - من كلام لابن عباس ألقاه في البصرة: أيها الناس! استعدوا للمسير إلى أمامكم، وانفروا في سبيل الله خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب، ولا يدينون