منع هذه السنة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقه (1) فعظم الأمر عليهم، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبوا عليه ماء الورد ونادوا: الماء للسبيل. فأغروا بهم السنة وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا: خير البشر. وكتبوا: عليهما السلام. فقالت السنة:
لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي، وأن لا يؤذن حي على خير العمل.
وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأول وقتل فيه رجل هاشمي من السنة فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربية وباب البصرة وسائر محال السنة واستنفروا الناس للأخذ بثاره ثم دفنوه عند أحمد بن حنبل، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدم، فلما رجعوا من دفنه قصدوا باب مشهد التبن (2) فأغلق بابه فنقبوا في سورها وتهددوا البواب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك، ونهبوا ما في الترب والدور، و أدركهم الليل فعادوا، فلما كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والآزاج واحترق ضريح موسى (3) وضريح ابن ابنه محمد بن علي والجوار والقبتان الساج اللتان عليهما، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بويه معز الدولة وجلال الدولة ومن قبور الوزراء والرؤساء وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور، وقبر الأمين محمد بن الرشيد، وقبر أمه زبيدة، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجر في الدنيا مثله، فلما كان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمد بن علي لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر، فجاء الحفر إلى جانبه، وسمع أبو تمام نقيب العباسيين وغيره من الهاشميين والسنة الخبر فجاؤوا ومنعوا عن ذلك، وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه وقتلوا