صادقا، أو تظلما مفجعا، ولعل هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحق له، فبخست حقه المعاجم، فلم تأت عند ذكره إلا بطفائف هي دون بعض ما يجب له، غير أن حقيقة فضله أبرزت نفسها، ونشرت ذكره مع مهب الصبا، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلا ذكرا وشكرا وتعظيما و تبجيلا، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.
ولعمر الحق إن من المعاجز أن فارسيا في العنصر يحاول قرض الشعر العربي فيفوق أقرانه ولا يتأتى لهم قرانه، ويقتدى به عند الورد والصدر، ولا بدع أن يكون من تخرج على أئمة العربية من بيت النبوة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتص أثرهم كالعلمين الشريفين: المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمة جمعاء [المفيد] و نظرائهم أن يكون هكذا، إلا تاهت الظنون، وأكدت المخائل في الحط من كرامة الرجل بتقصير ترجمته، أو التقصير في الإبانة عنه، أو التحامل عليه بمخرقة، و الوقيعة فيه برميه بما يدنس ذيل أمانته كما فعل ابن الجوزي في (المنتظم) فجدع أرنبته باختلاق قضية مكذوبة عليه، ورماه بالغلو، وحاشاه عن كل ذلك، إن يقولون إلا كذبا.
فهذا مهيار بأدبه الباذخ، وفضله الشامخ، وعرفه الفائح، ونوره الواضح، و مذهبه العلوي، وقريضه الخسرواني، قد طبق العالم ثناء وإطراء ومكرمة وجلالة، وما يضره أمسه إن كان مجوسيا فارسيا فيه، وها هو في يومه مسلم في دينه، علوي في مذهبه، عربي في أدبه، وها هو يحدث شعره عن ملكاته الفاضلة، ويتضمن ديوانه آثار نفسياته الكريمة، وخلد له ذكرى مع الأبد، فهل أبقى [أبو الحسن مهيار] ذروة من الشرف لم يتسنمها؟! أو صهوة من النبوغ لم يمتطها؟! ولو كان يؤاخذ بشئ من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأولين كلهم على ماضيهم التعيس غير أن الاسلام يجب ما قبله، فتراه يتبهج بسؤدد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله:
أعجبت بي بين نادي قومها * أم سعد فمضت تسأل بي سرها ما علمت من خلقي * فأرادت علمها ما حسبي