وآله: من كان مولاي فهو مولى علي أي محبه وناصره، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ، ولعل سبط ابن الجوزي نظر إلى هذا المعنى وقال في تذكرته ص 19: لم يجز حمل لفظ المولى في هذا الحديث على الناصر. وسيأتي لفظه بتمامه.
على أن وجوب المحبة والمناصرة على هذين الوجهين غير مختص بأمير المؤمنين عليه السلام وإنما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره؟ وإن أريد محبة أو نصرة مخصوصة له تربو عن درجة الرعية كوجوب المتابعة، وامتثال الأوامر، والتسليم له، فهو معنى الحجية والإمامة، لا سيما بعد مقارنتها بما هو مثلها في النبي صلى الله عليه وآله بقوله: من كنت مولاه، والتفكيك بينهما في سياق واحد إبطال للكلام.
والثالث: وهو إخباره بوجوب حبهم أو نصرتهم عليه، فكان الواجب عندئذ إخباره صلى الله عليه وآله عليا والتأكيد عليه بذلك لا إلقاء القول به على السامعين، وكذلك إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع، فكان صلى الله عليه وآله في غنى عن ذلك الاهتمام وإلقاء الخطبة واستسماع الناس والمناشدة في التبليغ، إلا أن يريد جلب عواطف الملأ وتشديد حبهم له عليه السلام إذا علموا أنه محبهم أو ناصرهم ليتبعوه، ولا يخالفوا له أمرا، ولا يردوا له قولا.
وبتصديره صلى الله عليه وآله الكلام بقوله: من كنت مولاه. نعلم أنه على هذا التقدير لا يريد من المحبة أو النصرة إلا ما هو على الحد الذي فيه صلى الله عليه وآله منهما، فإن حبه ونصرته لأمته ليس كمثلهما في أفراد المؤمنين، وإنما هو صلى الله عليه آله يحب أمته فينصرهم بما أنه زعيم دينهم ودنياهم، ومالك أمرهم وكالئ حوزتهم، وحافظ كيانهم، وأولى بهم من أنفسهم، فإنه لو لم يفعل بهم ذلك لأجفلتهم الذئاب العادية، وانتأشتهم الوحوش الكواسر، ومدت إليه الأيدي من كل صوب وحدب، فمن غارات تشن، وأموال تباح، ونفوس تزهق، وحرمات تهتك، فينتقض غرض المولى من بث الدعوة، وبسط أديم الدين، ورفع كلمة الله العليا، بتفرق هاتيك الجامعة، فمن كان في المحبة والنصرة على هذا الحد فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله، والمعنى على هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه.