ومعمر باليمن وابن المبارك بخراسان وجرير بن عبد الحميد بالري وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يرى أيهم أسبق تلاهم كثير من اهل عصرهم في النسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة ان يفرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وذلك على رأس المأتين فصنفوا المسانيد انتهى وهو ملخص من المحدث الفاضل الرامهرمزي والجامع للخطيب وجامع الأصول لابن الأثير وقد سقت عباراتهم في شرح العيني وقال أبو طالب المكي في قوت القلوب هذه المصنفات من الكتب ابن جريح في الآثار وحروف من التفاسير بمكة ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن جمع فيه سننا منثورة مبوبة ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك ثم جمع ابن عيينة كتاب الجامع والتفسير في أحرف من علم القرآن وفى الأحاديث المتفرقة وجامع سفيان الثوري صنفه أيضا في هذه المدة وقيل إنها صنفت سنة ستين ومأة انتهى كلام السيوطي وقد ذكرناه بطوله وبعين عبارته لما فيه من نقل كلمات الأعاظم من حفاظهم في هذا الموضوع على وجه يعلم اتفاقهم عليه وعدم وقوع اعتراض من غيرهم عليه فتحصل مما ذكرناه عنه أمور:
الأول: ان سنن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن عندهم مجموعة ولا معروفة قبل منتصف القرن الثاني.
والثاني: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأمر في أيام حياته أحدا من الصحابة بجمع سننه وكتابتها مع أنه من أوضح الواضحات ان عدم الاهتمام بجمع السنن وكتابتها يوجب دروس الاحكام العلم الذي هو غاية البعثة.
والثالث: ان أول من تنبه لهذا الموضوع واحتمل حسنه أو لزومه هو عمر بن الخطاب ولكنه بعد ما استشار فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأشاروا اليه بفعله تردد واستخار الله شهرا فعزم الله تعالى له بتركه فتركه أو نهى عنه كما يظهر من كلام ابن حجر فصار كالمنسي طول أيام بني أمية وصدرا من أيام بنى العباس.
والرابع: ان بعد ترك عمر أو منعه جمع السنن لم يقدم أحد من الخلفاء على