النبي أبكيه وأندبه، وكنت رددت باب الحجرة بيدي إذا انفتح الباب، ودخل علي ثلاث جواري لم أر كحسنهن ولا نضارة وجوههن فقمت إليهن منكرة لشأنهن وقلت: من أين أنتن من مكة أو من المدينة؟ فقلن: لا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة، نحن من أهل دار السلام، بعث بنا إليك رب العالمين يسلم عليك ويعزيك بأبيك محمد صلى الله عليه وآله.
قالت فاطمة: فجلست أمامهن، وقلت للتي أظن أنها أكبرهن: ما اسمك؟
قالت: ذرة، قلت: ولم سميت ذرة؟ قالت: لان الله عز وجل خلقني لأبي ذر الغفاري، وقلت لاخرى: ما اسمك؟ قالت: مقدادة، فقلت: ولم سميت مقدادة؟
قالت: لان الله عز وجل خلقني للمقداد، وقلت للثالثة: ما اسمك. قالت: سلمى قلت: ولم سميت سلمى؟ قالت: لان الله عز وجل خلقني لسلمان، وقد أهدوا إلي هدية من الجنة، وقد خبأت لك منها، فأخرجت إلي طبقا من رطب أبيض ما يكون من الثلج، وأزكى رائحة من المسك، فدفعت إلي خمس رطبات، وقالت لي: كل يا سلمان هذا، عند إفطارك، وأقبلت أريد المنزل، فوالله ما مررت بملاء من الناس إلا قالوا: تحمل المسك يا سلمان؟ حتى أتيت المنزل، فلما كان وقت الافطار أفطرت عليهن فلم أجد لهن نوى ولا عجما حتى إذا أصبحت بكرت إلى منزل فاطمة، فأخبرتها فتبسمت ضاحكة، وقالت: يا سلمان من أين يكون له نوى، وإنما هو عز وجل خلقه لي تحت عرشه، بدعوات كان علمنيها النبي صلى الله عليه وآله فقلت: حبيبتي علميني تلك الدعوات، فقالت: إن أحببت أن تلقى الله وهو عنك غير غضبان، فواظب على هذا الدعاء وهو:
بسم الله النور، بسم الله الذي يقول للشئ كن فيكون، بسم الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، بسم الله الذي خلق النور من النور، بسم الله الذي هو بالمعروف مذكور، بسم الله الذي أنزل النور على الطور، بقدر مقدور في كتاب مسطور، على نبي محبور (1).