أدر ما هو ثم أدخلته فوقف بين يديه.
فلما نظر إليه قال: وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وإفسادك على أهل هذا البيت من بني العباس، وما يزيدك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد ما يبلغ به ما تقدره، فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لنا ولكم، وأنهم لا حق لهم في هذا الامر فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني سوء مع جفاهم الذي كان بي، وكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا وأنت ابن عمي، وأمس الخلق بي رحما، وأكثرهم عطاء وبرا فكيف أفعل هذا.
فأطرق المنصور ساعة، وكان على لبد وعن يساره مرفقة جرمقانية (1) وتحت لبده سيف ذو فقار كان لا يفارقه إذا قعد في القبة قال: أبطلت وأثمت ثم رفع ثني الوسادة، فأخرج منها إضبارة كتب (2) فرمى بها إليه وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان، تدعوهم إلى نقض بيعتي، وأن يبايعوك دوني، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا أستحل ذلك، ولا هو من مذهبي، وإني لممن يعتقد طاعتك على كل حال، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته، فصيرني في بعض جيوشك حتى تأتيني الموت فهو مني قريب، فقال: لا ولا كرامة، ثم أطرق وضرب يده إلى السيف فسل منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه فقلت: إنا لله، ذهب والله الرجل ثم رد السيف.
ثم قال: يا جعفر أما تستحيي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل وتشق عصا المسلمين، تريد أن تريق الدماء، وتطرح الفتنة بين الرعية والأولياء فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خادمي فانتضى من السيف ذراعا فقلت: إنا لله، مضى الرجل، وجعلت في نفسي إن أمرني فيه