لأن مراده بأرض العراق المعمورة المحياة التي يقال فيها لا يجوز بيعها ولا هبتها لأنها أرض الخراج، إلى هنا كلامه (1).
وقبل التعرض له نذكر كلام العلامة في المختلف قال: مسألة الأرض المفتوحة عنوة، قال في المبسوط: لا يصح بيع شئ من هذه الأرض ولا أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف التي تتبع الملك، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل، وقال ابن إدريس: فإن قيل: نراكم تبيعون وتشرون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة، قلنا: إنما نبيع ونقف تصرفنا وتحجيرنا وبناءنا، فأما نفس الأرض فلا يجوز ذلك. وهو يشعر بجواز البناء والتصرف وهو أقرب، ويحمل قول الشيخ على الأرض المحياة دون الموات (2) إلى هنا.
أقول: لا يخفى على الناظر أن الشيخ أطلق المنع من غير تقييد بالمحياة ولا الموات، وأن ابن إدريس أطلق الجواز من غير تقييد (3). وأن العلامة قد جمع بين القولين بحمل كلام الشيخ على المحياة دون الموات، وقرب كلام ابن إدريس مع الحمل المذكور وهو عين جعله مخصوصا بالموات، ولا يرد أن ابن إدريس منع من جواز البيع في الأرض، فإذا حمل كلام العلامة على الموات لا وجه للمنع لأنا نجيب أن العلامة لم يتعرض إلا لتقريب جواز البناء والتصرف لا غير كما لا يخفى، فاستشكال المؤلف سببه قلة التدبر في كلام الفضلاء وسرعة التهجم عليهم بالطعن كما هو دأبه كثيرا. وليت شعري كيف لم يتفطن في كلام هذا الفاضل حتى قال: لا يلاقي ما قربه، فإنه لم يقرب إلا الجواز المقابل للمنع المطلق، وحمل كلام الشيخ على المحياة فعلم تفصيل مذهبه، نعم لم يتعرض لكلام ابن إدريس