فرسخين فدفعت إليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه ثم قال لي: حاجتك؟
فقلت: خراج علي في ديوانك، قال: فأمر بطرحه عني وقال: لا تؤد خراجا ما دام لي عملي ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلا، فما أديت في عمله خراجا ما دام حيا ولا قطعني صلته حتى مات. (1) ووجه الدلالة ظاهرة فإنه إنما شكى الإمام الخراج فلو كان حقا يجب أداؤه ويحرم كتمانه لأخبره بذلك ولم يجبه إلى الوصية فيه لأجله.
ومما يدل على ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كبار بني أمية فقال: استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذنت له فأذن له، فلما أن دخل فسلم وجلس، ثم قال كلمته: جعلت فداك إني كنت في ديوان هذا القوم فأصبت في دينارهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، لو تركهم الناس وما في أيديهم لما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم، قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: فقال: إن قلت لك تفعل؟ قال: أفعل. قال:
فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت إليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله عز وجل الجنة.. الخ. (2) وجه الدلالة أنه أطلق الأمر برد ما أخذ بسبب الظالمين وهو يتناول الخراج وغيره، وهو موافق للنظر لأن أخذ الجائر ظلم يجب رده إلى من أخذه منه ليصرف في محله.
إن قلت: هذا الخبر استدل به بعض الأصحاب كالعلامة في المنتهى على وجوب رد جوائز الظالم إذا علمته حراما (3) قلت: لا مانع من الاستدلال به على