هواء بالحر الحاصل من تسخين الشمس أو النار كما يشاهد من البخار الصاعد من الماء المسخن، فإن البخار أجزاء هوائية متكونة من الماء مستصحبة لاجزاء مائية لطيفة مختلطة بها، والهواء ينقلب نارا كما في كور الحدادين إذا ألح النفخ عليها وسد الطرق التي يدخل منها الهواء الجديد يحدث فيه نار من انقلاب الهواء إليها، ومن هذا القبيل الهواء الحار الذي منه السموم المحرقة، والنار أيضا تنقلب هواء كما يشاهد في شعلة المصباح، فإنها لو بقيت على النارية لتحركت إلى مكانها الطبيعي على خط مستقيم فاحترقت ما حاذاها وليس كذلك.
ثم إنهم قالوا: إذا تصغرت تلك العناصر وامتزجت وتماست وفعل بعضها في بعض بقواها المتضادة تحصل منها كيفية متوسطة هي المزاج، والتركيب قد يكون تاما يحصل به مزاج ويستعد بذلك لإفاضة صورة نوعية تحفظ التركيب زمانا طويلا، وقد يكون ناقصا لا يبقى مدة مديدة بل تنحل بأدنى سبب مثل كائنات الجو.
قال صاحب المقاصد: المركبات التي لا مزاج لها ثلاثة أنواع، لان حدوثه إما فوق الأرض أعني في الهواء، وإما على وجه الأرض، وإما في الأرض فالنوع الأول منه ما يتكون من البخار، ومنه ما يتكون من الدخان وكلاهما بالحرارة فإنها تحلل من الرطب أجزاء هوائية ومائية وهي البخار، ومن اليابس أجزاء أرضية تخالطها أجزاء نارية وقلما يخلو عن هوائية وهي الدخان، فالبخار المتصاعد قد يلطف بتحليل الحرارة أجزاؤه المائية فيصير هواء، وقد يبلغ الطبقة الزمهريرية فيتكاثف فيجتمع سحابا ويتقاطر قطرا إن لم يكن البرد شديدا، وإن أصابه برد شديد يجمد السحاب قبل تشكله بشكل القطرات نزل ثلجا، أو بعد تشكله بذلك نزل بردا صغيرا مستديرا إن كان من سحاب بعيد لذوبان الزوايا بالحركة والاصطكاك، وإلا فكبيرا غير مستدير في الغالب، وإنما يكون البرد في هواء ربيعي أو خريفي لفرط التحليل في الصيفي والجمود في الشتوي، وقد لا يبلغ البخار المتصاعد الطبقة الزمهريرية، فإن كثر صار ضبابا، وإن قل وتكاثف ببرد