الليل فإن انجمد نزل صقيعا، وإلا فطلا، فنسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر. وقد يكون السحاب الماطر من بخار كثير تكاثف بالبرد من غير أن يتصعد إلى الزمهريرية لمانع مثل هبوب الرياح المانعة للأبخرة من التصاعد، أو الضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح وثقل الجزء المتقدم وبطء حركته.
وقد يكون مع البخار المتصاعد دخان، فإذا ارتفعا معا إلى الهواء البارد وقد انعقد البخار سحابا واحتبس الدخان فيه فإن بقي الدخان على حرارته قصد الصعود، وإن برد قصد النزول، وكيف كان فإنه يمزق السحاب تمزيقا عنيفا فيحدث من تمزيقه ومصاكته صوت هو الرعد، ونارية لطيفة هي البرق، أو كثيفة هي الصاعقة.
وقد يشتعل الدخان الغليظ بالوصول إلى كرة النار كما يشاهد عند وصول دخان سراج منطفئ إلى سراج مشتعل فيرى فيه الاشتعال فيرى كأنه كوكب انقض وهو الشهاب، وقد يكون لغلظه لا يشتعل بل يحترق ويدوم فيه الاحتراق فيبقى على هيئة ذؤابة أو ذنب أو حية أو حيوان له قرون، وربما يقف تحت كوكب ويدور مع النار بدوران الفلك إياها، وربما تظهر فيه علامات هائلة حمر وسود بحسب زيادة غلظ الدخان. وإذا لم ينقطع اتصال الدخان من الأرض ونزل اشتعاله إلى الأرض يرى كأن تنينا ينزل من السماء إلى الأرض وهو الحريق (انتهى).
وقال في المواقف: وأما الدخان فربما يخالط السحاب فيحرقه، إما في صعوده بالطبع أو عند هبوطه للتكاثف بالبرد، فيحدث من خرقه له ومصاكته إياه صوت هو الرعد، وقد يشتعل بقوة التسخين الحاصل من الحركة والمصاكة فلطيفه ينطفئ سريعا وهو البرق، وكثيفه لا ينطفئ حتى يصل إلى الأرض وهي الصاعقة.
وقال شارحه: وإذا وصل إليها فربما صار لطيفا ينفذ في المتخلخل ولا يحرقه ويذيب الأجسام المندمجة، فيذيب الذهب والفضة في الصرة مثلا ولا يحرقها إلا