ما احترق من الذوب، وقد أخبرنا أهل التواتر بأن الصاعقة وقعت بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبد الله بن حفيف، فأذاب قنديلا فيها ولم يحرق شيئا منها. و ربما كان كثيفا غليظا جدا فيحرق كل شئ أصابه، وكثيرا ما تقع على الجبل فتدكه دكا. ويحكى أن صبيا كان في صحراء فأصاب ساقيه صاعقة فسقط رجلاه ولم يخرج منه دم لحصول الكي بحرارتها.
وقال الرازي في المباحث المشرقية: إذا ارتفع بخار دخاني لزج دهني وتصاعد حتى وصل إلى حيز النار من غير أن ينقطع اتصاله عن الأرض اشتعلت النار فيه نازلة، فيرى كأن تنينا ينزل من السماء إلى الأرض، فإذا وصلت إلى الأرض احترقت تلك المادة بالكلية وما يقرب منها، وسبيل ذلك سبيل السراج المنطفئ إذا وضع تحت السراج المشتعل فاتصل الدخان من الأول إلى الثاني فانحدر اللهب إلى فتيلته.
وقال في شرح المواقف في سبب الهالة والقوس: قد تحدث في الجو أجزاء رطبة رشية صقيلة كدائرة تحيط تلك الأجزاء بغيم رقيق لطيف لا تحجب ما وراءه عن الابصار، فينعكس منها أي من تلك الأجزاء الواقعة على ذلك الوضع ضوء البصر لصقالتها إلى القمر، فيرى في تلك الأجزاء ضوؤه دون شكله. فإن الصقيل الذي ينعكس منه شعاع البصر إذا صغر جدا بحيث لا ينقسم في الحس أدى (1) الضوء واللون دون الشكل والتخطيط كما في المرآة الصغيرة. وتلك الأجزاء الرشية مرايا صغار متراصة على هيئة الدائرة، فيرى جميع تلك الدائرة كأنها منورة بنور ضعيف وتسمى الهالة، وإنا لا نرى الجزء الأول الذي يقابل القمر من ذلك الغيم، لان قوة الشعاع تخفي حجم السحاب الذي لا يستره، فلا يرى فيه خيال القمر، كيف والشئ إنما يرى على الاستقامة نفسه لا شبحه بخلاف أجزائه التي لا تقابله فإنها تؤدي خيال ضوئه كما عرفت. قيل: وأكثر ما تتولد الهالة عند عدم الريح، فإن تمزقت من جميع الجهات دلت على الصحو، وإن ثخن