واحدة وصورة واحدة، فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسطا بين صورها، ومنهم من جعلها صورة أخرى من النوعيات، واحتج على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.
وذهب أنكساغورس وأصحابه إلى الخلط والكمون والبروز، وأنكروا التغيير في الكيفية والصورة، وزعموا أن الأركان الأربعة لا يوجد شئ منها صرفا، بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعية كاللحم والعظم والعصب والتمر والعسل والعنب وغير ذلك، وإنما سمي بالغالب الظاهر منها، ويعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحس بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه، لا على أنه حدث بل على أنه برز، ويكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا وغائبا بعدما كان غالبا وظاهرا. وبإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل البروز: بل على سبيل النفوذ من غيره فيه، كالماء مثلا فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار والمجاورة له وهذان القولان سخيفان، والمشهور عندهم أن العناصر تفعل بعضها في بعض، فيستحيل في كيفيتها وتحصل للجميع كيفية متوسطة متشابهة هي المزاج، فتستعد بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدأ.
ثم المشهور بينهم أن النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر والحديد أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو اليابستين إنما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من الاصطكاك والاحتكاك، لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار، وظواهر الآيات والأخبار المتقدمة لا ينافي ذلك.
وأما قوله عليه السلام في حديث هشام " إن النار في الأجسام كامنة " فالمراد بها إما النار التي تركب الجسم منها ومن سائر العناصر أو المعنى أن ما هو سبب لاحداث النار حاصل في الأجسام وإن انطفت النيران المتولدة منها وانقلبت هواء، والأول أظهر. والحاصل أن قياسك الروح على نار الفتيلة وغيرها حيث لم يمكن إعادتها إلى الأجسام قياس مع الفارق، فإن الروح إما جسم أو جوهر مجرد ثابت محفوظ يمكن إعادته، والنار الذي (1) ذكرت انقلبت هواء وذهبت، فعلى تقدير استحالة