لم يعلموا، ويكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبر عنهم بأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان.
والذين لم يعلموا هم الذين عملوا السحر وشروا به أنفسهم. وثانيها أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا، لأنهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره، فكأنه تعالى وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على الجملة، ولم يعلموا كنه ما يصير إليه من العقاب الذي لا نفاد له ولا انقطاع، وثالثها أن تكون الفائدة في نفي العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموه فكأنهم لم يعلموا، وهذا كما يقول أحدنا لغيره: ما أدعوك إليه خير لك وأعود عليك لو كنت تعقل وتنظر في العواقب، وهو يعقل وينظر إلا أنه لم يعمل بموجب علمه، فحسن أن يقال له مثل هذا القول. وقال كعب بن زهير يصف ذئبا وغرابان تبعاه ليصيبا من زاده:
إذا حضراني قلت لو يعلمانه * ألم تعلما أني من الزاد مرمل فنفى عنهما العلم ثم أثبته بقوله " ألم تعلما أني من الزاد مرمل " وإنما المعنى في نفيه العلم عنهما أنهما لم يعملا بما علما، فكأنهما لم يعلما، ورابعها أن يكون المعنى أن هؤلاء القوم الذين قد علموا أن الآخرة لاحظ لهم فيها مع عملهم القبيح إلا أنهم ارتكبوه طمعا في طعام الدنيا وزخرفها، فقال تعالى " ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " أي الذي آثروه وجعلوه عوضا عن الآخرة لا يتم لهم ولا يبقى عليهم وأنه منقطع زائل، ومضمحل باطل، وأن المآل إلى المستحق في الآخرة، وكل ذلك واضح بحمد الله (انتهى).
وأقول: قال في الصحاح: والغمرة الشدة والجمع غمر. قال القطامي يصف سفينة نوح: وحان لتالك الغمر انحسار. وقال: الانحسار الانكشاف. وقال:
قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع وتقشع. وقال: الوطب سقاء اللبن خاصة. قال: العلبة محلب من جلد. وقال: صررت الناقة شددت عليها الصرار وهو خيط يشد فوق الخلف والتودية لئلا يرضعها ولدها. وقال: الخلف - بالكسر - حلمة ضرع الناقة. والمزممة من الزمام. والبزل: جمع البازل، وهو جمل أو ناقة كمل