تطرد عليها حسباناتهم وأعرضوا عن غيرها. على أنهم لو راموا العمل بالآفاق لتهيأ لهم ولأدتهم إلى ما أدتهم إليه دائرة نصف النهار لكن بعد سلوك المسلك البعيد وأعظم الخطأ هو تنكب الطريق المستقيم إلى البعد الأطول على عمد.
الفائدة الثانية: اعلم أن اليوم قد يطلق على مجموع اليوم والليلة، وقد يطلق على ما يقابل الليل، وهو يرادف النهار، ولا ريب في أن اليوم والنهار الشرعيين مبدؤهما من طلوع الفجر الثاني إلى غيبوبة قرص الشمس عند بعض، و إلى ذهاب الحمرة المشرقية عند أكثر الشيعة، وعند المنجمين وأهل فارس والروم من طلوع الشمس إلى غروبها. وخلط بعضهم بين الاصطلاحين فتوهم أن اليوم الشرعي أيضا في غير الصوم من الطلوع إلى الغروب، وهذا خطأ، وقد أوردنا الآيات والأخبار الكثيرة الدالة على ما اخترناه في كتاب الصلاة وأجبنا عن شبه المخالفين في ذلك.
قال أبو ريحان بعد إيراد ما تقدم منه: هذا الحد هو الذي نحد به اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب، فأما على التقسيم والتفصيل فإن اليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد، وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروبه والليل بخلاف ذلك وعكسه بتعارف من الناس قاطبة فيما بينهم واتفاق من جمهورهم لا يتنازعون فيه، إلا أن بعض علماء الفقه في الاسلام حد أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس، تسوية منه بينه وبين مدة الصوم. واحتج بقوله تعالى " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " (1) فادعى أن هذين الحدين هما طرفا النهار. ولا تعلق لمن رأى هذا الرأي بهذه الآية بوجه من الوجوه، لأنه لو كان أول الصوم أول النهار لكان تحديده ما هو ظاهر بين للناس بمثل ما حده به جاريا مجرى التكلف لما لا معنى له، كما لم يحد آخر النهار وأول الليل بمثل ذلك، إذ هو معلوم متعارف لا يجهله أحد، ولكنه تعالى لما حد أول الصوم بطلوع الفجر ولم