الحركة على السكون، لأنها وجود لا عدم وحياة لا موت، ويعارضونهم بنظائر ما قاله أولئك، كقولهم، إن السماء أفضل من الأرض، وإن العامل والشاب أصح، والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد. وأما أصحاب التنجيم فإن اليوم بليلته عند جلهم والجمهور من علمائهم هو من لدن موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في نهار الغد، وهو قول بين القولين، فصار ابتداء الأيام بلياليها عندهم من النصف الظاهر من فلك نصف النهار، وبنوا على ذلك حسابهم واستخرجوا عليها مواضع الكواكب بحركاتها المستوية ومواضعها المقومة في دفاتر السنة، و بعضهم آثر النصف الخفي من فلك نصف النهار، فابتدؤوا به من نصف الليل كصاحب زيج شهرياران، ولا بأس بذلك، فإن المرجع إلى أصل واحد.
والذي دعاهم إلى اختيار دائرة نصف النهار دون دائرة الأفق هو أمور كثيرة منها: أنهم وجدوا الأيام بلياليها مختلفة المقادير غير متفقة كما يظهر ذلك من اختلافها عند الكسوفات ظهورا بينا للحس، وكان ذلك من أجل اختلاف مسير الشمس في فلك البروج وسرعته فيه مرة وبطئه أخرى، واختلاف مرور القطع من فلك البروج على الدوائر، فاحتاجوا إلى تعديلها لإزالة ما عرض لها من الاختلاف وكان تعديلها بمطالع فلك البروج على دائرة نصف النهار مطردا في جميع المواضع إذ كانت هذه الدائرة بعض آفاق الكرة المنتصبة وغير متغيرة اللوازم في جميع البقاع من الأرض، ولم يجدوا ذلك في دوائر الآفاق، لاختلافها في كل موضع وحدوثها لكل واحد من العروض على شكل مخالف لما سواه، وتفاوت مرور قطع فلك البروج عليها، والعمل بها غير تام ولا جار على نظام.
ومنها: أنه ليس بين دوائر أنصاف نهار البلاد إلا ما بينهما من دائرة معدل النهار والمداراة المشبهة بها، فأما الآفاق فإن ما بينها مركب من ذلك ومن انحرافها إلى الشمال والجنوب، وتصحيح أحوال الكواكب ومواضعها إنما هو بالجهة التي يلزم من فلك نصف النهار وتسمى الطول ليس له خط في الجهة الأخرى اللازمة عن الأفق وتسمى العرض، فلأجل هذا اختاروا الدائرة التي