بالكرسي والعرش هنا نوعان من علمه سبحانه، فالكرسي العلم المتعلق بأعيان الموجودات، ومنه يطلع ويظهر جميع الموجودات بحقائقها وأعيانها، والأمور البديعة في السماوات والأرض وما بينهما، والعرش العلم المتعلق بكيفيات الأشياء ومقاديرها وأحوالها وبدئها وعودها، ويمكن أن يكون أحدهما عبارة عن كتاب المحو والاثبات، والآخر عن اللوح المحفوظ. قوله عليه السلام (لان علم الكيفوفية) أي إنهما إنما صارا جارين مقرونين لان أحدهما عبارة عن العلم المتعلق بالأعيان والآخر عن العلم المتعلق بكيفيات تلك الأعيان فهما مقرونان، ومن تلك الجهة صح جعل كل منها ظرفا للآخر، لان الأعيان لما كانت محال للكيفيات فهي ظروفها وأوسع منها، ولما كانت الكيفيات محيطة بالأعيان فكأنها ظرفها وأوسع منها وبهذا الوجه يمكن الجمع بين الاخبار ولعله أشير إلى هذا بقوله (أحدهما جعل صاحبه في الظرف) بالظاء المعجمة أي بحسب الظرفية، وفي بعض النسخ بالمهملة أي حيث ينتهي طرف أحدهما بصاحبه إذا قرئ بالتحريك، وإذا قرئ بالسكون فالمراد نظر القلب. (وبمثل صرف العلماء) أي علماء أهل البيت عليهم السلام عبروا عن هذه الأمور بالعبارات المتصرفة المتنوعة على سبيل التمثيل والتشبيه، فتارة عبروا عن العلم بالعرش، وتارة بالكرسي، وتارة جعلوا العرش وعاء الكرسي، وتارة بالعكس، وتارة أرادوا بالعرش والكرسي الجسمين العظيمين، وإنما عبروا بالتمثيل ليستدلوا على صدق دعواهما، أي دعواهم لهما، وما ينسبون إليهما و يبينون من غرائبهما وأسرارهما، وفي أكثر النسخ (وليستدلوا) فهو عطف على مقدر أي لتفهيم أصناف الخلق وليستدلوا، ولعل الأظهر (دعواهم).
قوله عليه السلام (فمن اختلاف صفات العرش) أي معانيه قال في سورة الأنبياء (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) فالمراد بالعرش هنا عرش الوحدانية، إذ هي أنسب بمقام التنزيه عن الشريك، إذا المذكور قبل ذلك (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون * لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون، وقال سبحانه في سورة الزخرف (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين