أخفاها وأقصاها إسرارا لأمري وتحصينا لمحلي من مكائد أهل الضلال، والمردة من أحداث الأمم الضوال فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض تنظرني الغاية التي عندها يحل الامر، وينجلي الهلع، وكان صلوات الله عليه أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم، ما إن أشعت إليك منه جزءا أغناك عن الجملة.
اعلم يا با إسحاق إنه قال صلوات الله عليه: يا بني إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه، وأهل الجد في طاعته وعبادته، بلا حجة يستعلى بها وإمام يؤتم به، ويقتدى بسبل سنته، ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق، وطي الباطل، وإعلاء الدين وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها فان لكل ولي من أولياء الله عز وجل عدوا مقارعا، وضدا منازعا، افتراضا لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه أولي الالحاد والعناد، فلا يوحشنك ذلك.
واعلم أن قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزع إليك مثل الطير إذا أمت أوكارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة، وهم عند الله بررة أعزاء يبرزون بأنفس مختلة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام. استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصهم الله باحتمال الضيم، ليشملهم باتساع العز في دار القرار، وجبلهم على خلائق الصبر، لتكون لهم العاقبة الحسنى، وكرامة حسن العقبى.
فاقتبس يا بني نور البصر على موارد أمورك، تفز بدرك الصنع في مصادرها واستشعر العز فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إنشاء الله.
فكأنك يا بني بتأييد نصر الله قد آن، وتيسير الفلح وعلو الكعب قدحان، و كأنك بالرايات الصفر، والاعلام البيض، تخفق على أثناء أعطافك، ما بين الحطيم وزمزم، وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود.