وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان من الحبش جميل، فكلمه بكلام ساعة حتى أتى على جميع ما يريد، وأعطاه درهما فقال: أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما، ثم خرجوا فقلت: جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه، فقبل وصيتي، ومع هذا غلام صدق.
ثم قال: لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب وأكثر، وما هذا من الامام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟ قال: فإن الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، ولا تنفد عجائبه (1).
4 - الخرائج: ابن أبي حمزة مثله (2).
5 - إعلام الورى (3) الإرشاد: كان أبو الحسن موسى عليه السلام أعبد أهل زمانه، وأفقههم وأسخاهم كفا، وأكرمهم نفسا، وروي أنه كان يصلي نوافل الليل، ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس، وكان يدعو كثيرا فيقول: اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب، ويكرر ذلك، وكان من دعائه عليه السلام:
عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه، وكان يفتقد فقراء المدينة