لم يذوقوا سوى الماء.
فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى والحسين باليسرى وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال: يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني! ما أرى بكم؟ انطلق إلى ابنتي (1) فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله قال: وا غوثاه بالله! يا أهل بيت محمد تموتون جوعا؟!
فهبط جبرئيل وقال: خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك، قال. وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه (هل أتى على الانسان) إلى قوله: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) إلى آخر السورة.
قال الخطيب الخوارزمي حاكيا عنه وعن البراوي: وزادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث: فوثب النبي (2) صلى الله عليه وآله حتى دخل على فاطمة عليها السلام، فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي، وقال: أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم؟! فهبط جبرئيل بهذه الآيات: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) قال: هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله يفجر (3) إلى دور الأنبياء والمؤمنين.
وروى الخطيب في هذا رواية أخرى وقال في آخرها: فنزل فيهم: (ويطعمون الطعام على حبه) أي على شدة شهوة (مسكينا) قرص ملة، والملة (4): الرماد (ويتيما) خزيرة (وأسيرا) حيسا (إنما نطعمكم) يخبر عن ضمائرهم (لوجه الله) يقول: إرادة ما عند الله من الثواب، (لا نريد منكم)، يعني في الدنيا (جزاء) ثوابا، (ولا شكورا (5).