سبحانه أراد إذهابه عنهم، فلعل ما أراده لم يتحقق، وقد عرفت جوابه في تقرير الدليل (1) مع أن الإرادة بالمعنى الذي يصح تخلف المراد عنه إذا اطلق عليه تعالى يكون بمعنى رضاه بما يفعله غيره أو تكليفه إياه به، وهو مجاز لا يصار إلهي إلا بدليل.
الثالث أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته، وأنتم قد قلتم بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه. ودفع بأن الا ذهاب والصرف كما يستعمل في إزالة الامر الموجود يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له كقوله تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) وتقول في الدعاء: صرف الله عنك كل سوء وأذهب عنك كل محذور) على أنا نقول: إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفى في ثبوت مطلوبنا، إذ القول بعصمتهم في بعض الأوقات خرق للاجماع المركب.
الرابع أن لفظة (يريد) من صيغ المضارع فلم تدل على أن مدلولها قد وقع. و أجيب بأن استعمال المضارع فيما وقع غير عزيز في الكلام المجيد وغيره، بل غالب ما استعملت الإرادة على صيغة المضارع في أمثاله في القرآن إنما أريد به ذلك، كقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر. يريد الله أن يخفف عنكم. يريدون أن يبدلوا كلام الله. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة. ويريد الشيطان أن يضلهم (2)) وغير ذلك. وظاهر سياق الآية النازلة على وجه التشريف والاكرام قرينة عليه، على أن الوقوع في الجملة كاف كما عرفت (3).
الخامس أن قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس) لا يفيد العموم، لكون المعرف بلام الجنس في سياق الاثبات. وأجيب بأن الكلام في قوة النفي، إذ لا معنى لاذهاب الرجس إلا رفعه، ورفع الجنس يفيد نفي جميع أفراده. *