قال - ما حاصله -: إنه لا يبعد أن يقال: إن الرضا والسخط والحب والبغض وما شاكل ذلك (1) من الأخلاق النفسانية وإن كانت أمورا باطنة فإنها قد تعلم وتضطر الحاضرون إلى حصولها بقرائن أحوال يفيدهم العلم الضروري، كما يعلم خوف الخائف وسرور المبتهج... فغير منكر أن يقول قاضي القضاة إن المعلوم ضرورة من حال عمر تعظيم أبي بكر ورضاه بخلافته وتدينه بذلك، فالذي اعترضه السيد به غير وارد عليه، وأما الاخبار التي رواها عن عمر (2) فأخبار غريبة ما رأيناها في الكتب المدونة إلا في كتاب المرتضى وكتاب المستبشر (3) لمحمد بن جرير الطبري - الذي هو من رجال الشيعة -.. وأنت تعلم حال الاخبار الغريبة التي لا توجد في الكتب المدونة، كيف هي؟.
وأورد عليه أن الأمور الباطنة والصفات النفسانية لا ريب في أنها قد تظهر (4) أحيانا بظهور آثارهم وشهادة القرائن عليها، لكن الاطلاع عليها - سيما على وجه العلم بها والجزم بحصولها - أمر متعسر، سيما إذا قامت الدواعي إلى إخفائها وتعلق الغرض بسترها، وأكثر ما يظن (5) به العلم في هذا الباب فهو من قبيل الظن، بل من قبيل الوهم، وجميعها - وإن اشتركت في تعسر العلم بها - إلا أنه في بعضها - سيما في بعض الاشخاص، وفي بعض الأحوال أشد - وكثيرا ما يظن المخالطون لرجل وخواصه وبطانته في دهر طويل إنه يتدين بدين أو يحب أحدا أو يبغضه ثم يظهر خلافه، والدواعي إلى إخفاء عمر بعض أبي بكر أو عدم التدين بخلافته أمر واضح لا سترة به، فإنه كان أساسا لخلافته واصلا لامارته، ومع ذلك كانت