يتكلف (1) وأن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة، فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات، ولا يقصد بها سوءا ولا يريد بها تخطئة ولا ذما (2)!، كما قدمناه في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله، وكاللفظات التي قالها عام الحديبية.. وغير ذلك (3)، والله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه، ولقد كانت نيته من أظهر (4) النيات وأخلصها لله سبحانه والمسلمين، ومن أنصف علم أن هذا الكلام حق.
ويرد عليه أن اقتضاء الطبيعة واستدعاء الغريزة - التي جعله معذرة له - إن أراد أنه بلغ إلى حيث لم يبق (5) لعمر معه قدرة على إمساك لسانه عن التكلم بخلاف ما في ضميره، بل كان يصدر عنه الذم في مقام يريد المدح، والشتم في موضع يريد الاكرام، ويخرج بذلك عن حد التكليف، فلا مناقشة في ذلك، لكن مثل هذا الرجل يعده العقلاء في زمرة المجانين، ولا خلاف في أن العقل من شروط الإمامة.
وإن أراد أنه يبقى مع ذلك ما هو مناط التكليف فذلك مما لا يسمن ولا يغني من جوع، فإن إبليس استكبر على آدم بمقتضى الجبلة النارية ومع ذلك استحق النار وشملته اللعنة إلى يوم الدين، والزاني إنما يزني بمقتضى الشهوة التي جبله الله عليها ولا حيلة له فيها، ومع ذلك يرجم ولا يرحم.
ونعم ما تمسك به في إصلاح هذه الكلمة من قول عمر - في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الرجل ليهذو، أو إن الرجل ليهجر -، ورده على رسول الله صلى الله عليه وآله: حسبنا كتاب الله، كما سيأتي (6) في مطاعنه مفصلا