لك ذلك ولو سألت في النفس والولد، فقال: تهب لي هذه المكرمة تشرفني بها.
فقال: قد أجبتك إلى ذلك مع ما أصنعه أنا.. فنحر العباس الجزر (1) ونصب (2) القدور، وعقد الحلاوات، وشوى المشوي، وأكثر من الزاد فوق ما يراد، ونادى سائر الناس، فاجتمع أهل مكة وبطون قريش وسائر العرب على اختلاف طبقاتها يهرعون من كل مكان حتى كأنه عيد الله الأكبر، ونصب للنبي صلى الله عليه وآله منصبا عليا، وزينه بالدر والياقوت والثياب الفاخرة، وبقي الناس من حسن النبي صلى الله عليه وآله ووقاره وعقله وكماله متحيرين، وضوؤه يعلو نور الشمس، وتفرق الناس مسرورين وقد أخذوا في الخطب والاشعار ومدح النبي صلى الله عليه وآله وعشيرته على حسن ضيافتهم.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله أشده وتزوج خديجة وأوحى الله إليه ونبأه وأرسله إلى سائر العرب والعجم، وأظهره على المشركين، وفتح مكة ودخلها مؤيدا منصورا، وقتل من قتل، وبغي من بغي، أوحى الله إليه: يا محمد! إن عمك العباس له عليك يد سابقة وجميل متقدم، وهو ما أنفق عليك في وليمة عبد الله بن جذعان، وهو ستون ألف دينار مع ماله عليك في سائر الأزمان، وفي نفسه شهوة من سوق عكاظ، فامنه إياه في مدة حياة ولولده بعد وفاة، فأعطاه ذلك، ثم قال صلى الله عليه وآله: ألا لعنة الله على من عارض عمي في سوق عكاظ و (3) نازعه فيه، ومن أخذه منه فأنا برئ منه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فلم يكترث (4) عمر بذلك وحسد العباس على دخل سوق عكاظ، وغصبه منه،