ولم يزل العباس متظلما إلى حين وفاته.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله كان جالسا في مسجد يوما. وحوله جماعة من الصحابة - إذ دخل عليه عمه العباس - وكان رجلا صبيحا حسنا حلو الشمائل - فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله: قام إليه واستقبله وقبل ما بين عينيه ورحب به وأجلسه إلى جانبه، فأنشد العباس أبياتا في مدحه (ص)، فقال النبي صلى الله عليه وآله: جزاك الله - يا عم - خيرا ومكافأتك على الله تعالى.
ثم قال: معاشر الناس! احفظوني في عمي العباس وانصروه ولا تخذلوه.
ثم قال: يا عم! أطلب مني شيئا أتحفك به على سبيل الهدية. فقال: يا بن أخي! أريد من الشام الملعب، ومن العراق الحيرة، ومن هجر الخط، وكانت هذه المواضع كثيرة العمارة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: حبا وكرامة، ثم دعا عليا عليه السلام، فقال: أكتب لعمك العباس هذه المواضع، فكتب له أمير المؤمنين كتابا بذلك، وأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وأشهد الجماعة الحاظرين، وختم النبي صلى الله عليه وآله بخاتمة (1) وقال: يا عم! إن يفتح الله تعالى هذه المواضع فهي لك هبة من الله تعالى ورسوله، وإن فتحت بعد موتي فإني أوصي الذي ينظر بعدي في الأمة بتسليم هذه المواضع إليك.
ثم قال: معاشر المسلمين! إن هذه المواضع المذكورة لعمي العباس، فعلى من يغير عليه أو يبدله أو يمنعه أو يظلمه لعنة الله ولعنة اللاعنين، ثم ناوله الكتاب، فلما ولي عمر وفتح هذه المواضع المذكورة أقبل عليه العباس بالكتاب، فلما نظر فيه دعا رجلا من أهل الشام وسأله عن الملعب، فقال: يزيد ارتفاعه على عشرين ألف درهم، ثم سأل عن الآخرين، فذكر له أن ارتفاعهما تقوم بمال كثير.
فقال: يا أبا الفضل! إن هذا المال كثير لا يجوز لك أخذه من دون المسلمين. فقال العباس: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله يشهد لي بذلك قليلا كان أو