القطر، فلما حصل في ذلك القدر من الزمان حركة نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالامكان، فهذا برهان قاطع على أن الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل أمر ممكن في نفسه، وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالامكان (1).
الثاني: أنه ثبت في الهندسة أن قرص الشمس يساوي كرة الأرض مائة وستين مرة، وكذا مرة، ثم إنا نشاهد أن طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، وذلك يدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى الحد المذكور أمر ممكن في نفسه.
الثالث: أنه كما يستبعد في العقل صعود الجسم الكثيف من مركز العالم إلى ما فوق العرش، فكذلك يستبعد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالم، فإن كان القول بمعراج محمد (صلى الله عليه وآله) في الليلة الواحدة ممتنعا في العقول كان القول بنزول جبرئيل (عليه السلام) من العرش إلى مكة في اللحظة الواحدة ممتنعا، ولو حكمنا بهذا الامتناع كان طعنا في نبوة جميع الأنبياء عليهم السلام والقول بثبوت المعراج فرع على تسليم جواز أصل النبوة.
الرابع: أن أكثر أرباب الملل والنحل يسلمون وجود إبليس ويسلمون أنه هو الذي يتولى إلقاء الوسوسة في قلوب بني آدم، فلما سلموا جواز مثل هذه الحركة السريعة في حق إبليس فلان يسلموا جوازها في حق أكابر الأنبياء كان ذلك أولى.
الخامس: أنه جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان (عليه السلام) إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة، بل نقول: الحس يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة وذلك أيضا يدل على أن مثل هذه الحركة السريعة في نفسها ممكنة.
السادس: أن ما دل عليه القرآن من إحضار عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر يدل على جواز ذلك.