ما الباعث على قبول تلك الأصول وادعاء العلم فيها والتوقف في هذا المقصد الأقصى، فبالحري أن يقال لهم: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض وأما اعتذارهم بعدم قبول الفلك للخرق والالتيام فلا يخفى على اولي الافهام أن ما تمسكوا به في ذلك ليس إلا من شبهات الأوهام، مع أن دليلهم على تقدير تمامه إنما يدل على عدم جواز الخرق في الفلك المحيط بجميع الأجسام، والمعراج لا يستلزمه، ولو كانت أمثال تلك الشكوك والشبهات مانعة من قبول ما ثبت بالمتواترات لجاز التوقف في جميع ما صار في الدين من الضروريات، وإني لأعجب من بعض متأخري أصحابنا كيف أصابهم الوهن في أمثال ذلك، مع أن مخالفيهم مع قلة أخبارهم وندرة آثارهم بالنظر إليهم عدم تدينهم لم يجوزوا ردها، ولم يرخصوا في تأويلها، وهم مع كونهم من أتباع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وعندهم أضعاف ما عند مخالفيهم من صحيح الآثار يقتصمون آثار شرذمة من سفهاء المخالفين، ويذكرون أقوالهم بين أقوال الشيعة المتدينين، أعاذنا الله وسائر المؤمنين من تسويلات المضلين.
واعلم أن قدماء أصحابنا وأهل التحقيق منهم لم يتوقفوا في ذلك:
قال شيخ الطائفة قدس الله روحه في التبيان: وعند أصحابنا وعند أكثر أهل التأويل وذكره الجبائي أيضا أنه عرج به في تلك الليلة إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة وأراه الله من آيات السماوات والأرض ما ازداد به معرفة ويقينا، وكان ذلك في يقظته دون منامه، والذي يشهد به القرآن الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والثاني يعلم بالخبر انتهى (1). وقوله: عند أصحابنا يدل على اتفاقهم على ذلك فلا يعبأ بما أسند ابن شهرآشوب إلى أصحابنا من اقتصار الامامية على المعراج إلى بيت المقدس كما سيأتي.
وقال في المقاصد وشرحه: قد ثبت معراج النبي (صلى الله عليه وآله) بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، إلا أن الخلاف في أنه في المنام أو في اليقظة، وبالروح فقط أو الجسد، وإلى المسجد