الثالث: أنه (صلى الله عليه وآله) علم وجوب العمل بشريعة من قبله بالوحي، وأخذ الشريعة من أربابها، وهذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت - إذ لا يلزم منه إلا أن يكون نبيا أوحي إليه أن يعمل بشريعة موافقة لشريعة من تقدمه - باطل بما عرفت من العلم بعدم رجوعه (صلى الله عليه وآله) إلى أرباب الشرائع قط في شئ من أموره، وأما عكس ذلك فهو غير متصور إذ لا يجوز عاقل أن يوحي الله إلى عبده بكيفية شريعة لان يعمل بها ولا يأمره بالعمل بها حتى يلزمه الرجوع في ذلك إلى غيره، مع أنه يلزم أن يكون تابعا لغيره مفضولا وقد عرفت بطلانه، ثم إن قول من ذهب إلى أنه (صلى الله عليه وآله) كان عاملا بالشرائع المنسوخة كشريعة نوح وموسى (عليهما السلام) فهو أشد فسادا، لأنه بعد نسخ شرائعهم كيف جاز له (صلى الله عليه وآله) العمل بها إلا بأن يعلم بالوحي أنه يلزمه العمل بها، ومع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعة، بل بشريعة نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت، وأما استدلالهم بقوله تعالى: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان (1) " فلا يدل إلا على أنه (صلى الله عليه وآله) كان في حال لم يكن يعلم القرآن، وبعض شرائع الايمان، ولعل ذلك كان في حال ولادته قبل تأييده بروح القدس، كما دلت عليه رواية أبي حمزة (2) وغيرها، وهذا لا ينافي نبوته قبل الرسالة، و العمل بشريعة نفسه قبل نزول الكتاب، وبعد ما قررنا المطلوب في هذا الباب وما ذكرنا من الدلائل لا يخفى عليك ضعف بعض ما نقلنا في ذلك عن بعض الأعاظم، ولا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق، ولو أردنا الاستقصاء في إيراد الدلائل ودفع الشبهة لطال الكلام، ولخرجنا عن مقصودنا من الكتاب، والله الموفق للصواب (3).
(٢٨١)