وينتفع من لم ينتفع بالأول، ولو لم يكن الامر أيضا كذلك كانت البعثة الثانية على سبيل ترادف الأدلة الدالة على أمر واحد، ولا يقول أحد: إن نصب الأدلة على هذا الوجه يكون عبثا.
فأما الوجه الثاني فإنا لا نسلم لهم أن النظر في معجز كل نبي يبعث لابد من أن يكون واجبا، لان ذلك يختلف، فإن خاف المكلف من ضرر إن هو لم ينظر - وجب النظر عليه، وإن لم يخف لم يكن واجبا، وقد استقصينا هذا الكلام وفرغناه في كتاب الذخيرة، والذي يحقق هذه المسألة أن تعبده (صلى الله عليه وآله) بشرع من تقدمه لابد فيه من معرفة أمرين: أحدهما نفس الشرع، والآخر كونه متعبدا به، وليس يخلو من أن يكون علم (صلى الله عليه وآله) كلا الامرين بالوحي النازل عليه، والكتاب المسلم إليه، أو يكون علم الامرين من جهة النبي المتقدم، أو يكون علم أحدهما من هذا الوجه، والآخر من غير ذلك الوجه، والوجه الأول يوجب أن لا يكون متعبدا بشرائعهم إذا فرضنا أنه بالوحي إليه علم الشرع والتعبد معا، وأكثر ما في ذلك أن يكون تعبد بمثل شرائعهم، وإنما يضاف الشرع إلى الرسول إذا حمله ولزمه أداءه، ويقال في غيره: إنه متعبد بشرعه متى دعاه إلى اتباعه، ألزمه الانقياد له، فيكون مبعوثا إليه، وإذا فرضنا أن القرآن والوحي وردا ببيان الشرع وإيجاب الاتباع فذلك شرعه (صلى الله عليه وآله) لا يجب إضافته إلى غيره، وأما الوجه الثاني فهو وإن كان خارجا من أقوال الفقهاء المخالفين لنا في هذه المسألة فاسد من جهة أن نقل اليهود ومن جرى مجراهم من الأمم الماضية قد بين في مواضع أنه ليس بحجة لانقراضهم وعدم العلم باستواء أولهم وآخرهم، وأيضا فإنه (صلى الله عليه وآله) مع فضله على الخلق لا يجوز أن يكون متبعا لغيره من الأنبياء المتقدمين (عليهم السلام)، ثم هذا القول يقتضي أن لا يكون (صلى الله عليه وآله) بأن يكون من أمة ذلك النبي بأولى منا، ولا بأن نكون متعبدين بشرعه بأولى من أن يكون متعبدا بشرعنا، لان حاله كحالنا في أننا من أمة ذلك النبي، وبهذه الوجوه التي ذكرناها نبطل القسمين الذين فرغناهما، ومما يدل على حجة ما ذكرناه وفساد قول مخالفينا أنه قد ثبت عنه (صلى الله عليه وآله) توقفه في أحكام معلوم أن بيانها في