بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٧
فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنها مخلوقة لا تخلق شيئا ولا تدفع عن أنفسها ضرا ولاعنهم، وهذا واضح على أنه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلق بالأول لم يسغ حمله على ما أدعوه لان فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنفوا به وقرعوا من أجله، وقبيح أن يوبخهم بما يعذرهم، ويذمهم بما ينزههم على ما تقدم; على أنا لا نسلم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحق العبادة لان من جملة أفعالهم القبائح، ومن فعل القبائح لا يكون إلها ولا تحق العبادة له، فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا في انفراده بالعبادة; على أن إضافته العمل إليهم بقوله تعالى: " تعملون " يبطل تأويلهم هذه الآية، لأنه لو كان خالقا له لم يكن عملا لهم لان العمل إنما يكون عملا لمن يحدثه ويوجده، فكيف يكون عملا لهم والله خلقه؟! هذه مناقضة لهم، فثبت بهذا أن الظاهر شاهد لنا أيضا; على أن قوله: " وما تعملون " يقتضي الاستقبال، وكل فعل لم يوجد فهو معدوم، ومحال أن يقول تعالى: إني خالق للمعدوم.
فإن قالوا: اللفظ وإن كان للاستقبال فالمراد به الماضي فكأنه قال: والله خلقكم وما عملتم. قلنا: هذا عدول منكم عن الظاهر الذي ادعيتم أنكم متمسكون به، وليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا، بل نحن أحق لأنا نعدل عنه بدلالة، وأنتم تعدلون بغير حجة.
فإن قالوا: فأنتم تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم، وتحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضي. قلنا: نحن لا نحتاج في تأويلنا إلى ذلك لأنا إذا حملنا قوله: " وما تعملون " على الأصنام المعمول فيها ومعلوم أن الأصنام موجودة قبل عملهم فيها فجاز أن يقول تعالى:
" إني خلقتها " ولا يجوز أن يقول: " إني خلقت ما سيقع من العمل في المستقبل " على أنه لو أراد بذلك أعمالهم لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن في الظاهر حجة على ما يريدون لان الخلق هو التقدير والتدبير، وليس يمتنع في اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدره ودبره ألا ترى أنهم يقولون: خلقت الأديم وإن لم يكن الأديم فعلا لمن يقول ذلك فيه؟ ويكون معنى خلقه لافعال العباد أنه مقدر لها ومعرف لنا مقاديرها ومراتبها، وما به نستحق عليها من الجزاء.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331