بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٢
طريقة السمع، فلما كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله.
ونعود إلى تأويل الآي: أما قوله: " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " فليس فيه ذكر للشئ الذي لا يقدرون عليه ولا بيان له، وإنما يصح ما قالوه لو بين لهم أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معين، فأما إذا لم يذكر ذلك كذلك فلا متعلق لهم.
فإن قيل: فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم فيجب أن يكون المراد بقوله: " فلا يستطيعون سبيلا " إلى مفارقة الضلال.
قلنا: إنه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل منهم، فيجوز أن يريد أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال، وذلك غير مقدور على الحقيقة ولا مستطاع، والظاهر أن هذا الوجه أولى لأنه تعالى حكى عنهم أنهم ضربوا له الأمثال، وجعل ضلالهم وأنهم لا يستطيعون السبيل متعلقا بما تقدم ذكره، وظاهر ذلك يوجب رجوع الامرين جميعا إليه، وأنهم ضلوا بضرب المثل، وأنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل، على أنه تعالى قد أخبر عنهم بأنهم ضلوا، وظاهر ذلك الاخبار عن ماضي فعلهم، فإن كان قوله: " فلا يستطيعون سبيلا " يرجع إليه فيجب أن يدل على أنهم لا يقدرون في المستقبل على ترك الماضي، وهذا مما لا يخالف فيه، وليس فيه ما نأباه من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه وتعذر تركه، وبعد (1) فإذا لم يكن للآية ظاهر فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلفوه بأولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلفوه؟ أو على أنه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقة عليهم، وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا:
إنه لا يستطيعه ولا يقدر عليه ولا يتمكن منه; ألا ترى أنهم يقولون: فلان لا يستطيع أن يكلم فلانا ولا ينظر إليه وما أشبه ذلك وإنما غرضهم الاستثقال وشدة الكلفة والمشقة.

(1) في الأمالي المطبوع: وتعذر تركه بعد مضيه.
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331