فإن قيل: فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف فما المراد بها عندكم؟
قلنا: قد ذكر أبو علي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا لأنهم ضربوا الأمثال ظنا منهم بأن ذلك يبين كذبه، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع لان تكذيب صادق وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة ولا تتناوله استطاعة. وقد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب، وليس يمكن على هذا أن يقال: كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى وهم عندكم قادرون على الايمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقوا الثواب، لان المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى، وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه، وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للايمان، فقد يخبر عمن يستثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره، كذا في كتاب الغرر للسيد رحمه الله.
أما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: " إنك لا تستطيع معي صبرا " فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل، ولا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن يفعله في الثاني، وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له، غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك، لأنه قد صبر عن المسألة أوقاتا، وإن لم يصبر عنها في جميع الأوقات فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأحوال المستقبلة؟.
على أن المراد بذلك واضح، وأنه تعالى خبر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما لا يعرف ولا يقف عليه لان مثل ذلك يصعب على النفس، ولهذا يجد أحدنا إذا جرى بين يديه ما ينكره ويستبدعه تنازعه نفسه إلى المسألة عنه والبحث عن حقيقته، ويثقل عليه الكف عن الفحص عن أمره، فلما حدث من صاحب موسى عليه السلام ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك، ويشهد لهذا الوجه قوله تعالى: " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " فبين أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره، ولو كان الامر على ما ظنوا لوجب أن يقول: وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر؟.