بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٣
فإن قيل: فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف فما المراد بها عندكم؟
قلنا: قد ذكر أبو علي أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا لأنهم ضربوا الأمثال ظنا منهم بأن ذلك يبين كذبه، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع لان تكذيب صادق وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة ولا تتناوله استطاعة. وقد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب، وليس يمكن على هذا أن يقال: كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى وهم عندكم قادرون على الايمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقوا الثواب، لان المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى، وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه، وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدم ذكره من أن المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للايمان، فقد يخبر عمن يستثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره، كذا في كتاب الغرر للسيد رحمه الله.
أما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: " إنك لا تستطيع معي صبرا " فظاهره يقتضي أنك لا تستطيع ذلك في المستقبل، ولا يدل على أنه غير مستطيع للصبر في الحال أن يفعله في الثاني، وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له، غير أن الآية تقتضي خلاف ذلك، لأنه قد صبر عن المسألة أوقاتا، وإن لم يصبر عنها في جميع الأوقات فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأحوال المستقبلة؟.
على أن المراد بذلك واضح، وأنه تعالى خبر عن استثقاله الصبر عن المسألة عما لا يعرف ولا يقف عليه لان مثل ذلك يصعب على النفس، ولهذا يجد أحدنا إذا جرى بين يديه ما ينكره ويستبدعه تنازعه نفسه إلى المسألة عنه والبحث عن حقيقته، ويثقل عليه الكف عن الفحص عن أمره، فلما حدث من صاحب موسى عليه السلام ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك، ويشهد لهذا الوجه قوله تعالى: " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " فبين أن العلة في قلة صبره ما ذكرناه دون غيره، ولو كان الامر على ما ظنوا لوجب أن يقول: وكيف تصبر وأنت غير مطيق للصبر؟.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331