رسول الله صلى الله عليه وآله بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان من الغد دعا عليا عليه السلام فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه الصفة (1) وسماه كرارا غير فرار، فسماه الله محبا لله ولرسوله، فأخبر أن الله ورسوله يحبانه. وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض، والمنزلة بين المنزلتين، وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع أمورنا، فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق عليه السلام: " لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين " وهي صحة الخلقة، و تخلية السرب، والمهلة في الوقت، والزاد مثل الراحلة، والسبب المهيج للفاعل على فعله، فهذه خمسة أشياء جمع بها الصادق عليه السلام جوامع الفضل فإذا نقص العبد منها خلة (2) كان العمل عنه مطروحا بحسبه، فأخبر الصادق عليه السلام بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته، ونطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لان الرسول صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام لا يعدو شئ من قوله وأقاويلهم حدود القرآن فإذا وردت حقائق الاخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب، ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق عليه السلام من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا وخبر عنه أيضا موافقا لهذا أن الصادق عليه السلام سئل: هل أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال الصادق عليه السلام: هو أعدل من ذلك، فقيل له: فهل فوض إليهم؟ فقال عليه السلام: هو أعز وأقهر لهم من ذلك.
وروى عنه أنه قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الامر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك، ورجل يزعم أن الله عز وجل أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا