قال: أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وخلق عباداتكم فأي وجه للتقريع، وهذا إلى أن يكون عذرا أقرب من أن يكون لوما وتوبيخا لأنه إذا خلق عبادتهم للأصنام فأي وجه للومهم عليها. (1) على أن قوله تعالى " والله خلقكم وما تعملون " بعد قوله: " أتعبدون ما تنحتون " إنما خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى فلابد أن يكون متعلقا بما تقدم من قوله: " أتعبدون ما تنحتون، ومؤثرا في المنع من عبادة غير الله، فلو أفاد قوله: " ما تعملون " نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان لا فائدة في الكلام لان القوم لم يكونوا يعبدون النحت، وإنما كانوا يعبدون محله، وأنه كان لاحظ في الكلام للمنع من عبادة الأصنام، وذلك إن حمل قوله تعالى: " ما تعملون " على أعمال اخر ليست نحتهم ولا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو والعبث والبعد عن التعلق بما تقدم، فلم يبق إلا أنه أراد أنه خلقكم وما تعملون فيه النحت فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم؟!
فإن قيل: لم زعمتم أنه لو كان الامر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظ في باب المنع من عبادة الأصنام؟ وما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك، على أن ما ذكرتموه أيضا لو أريد لكان وجها، وهو أن من خلقنا وخلق الافعال فينا لا يكون إ الاله القديم الذي تحق له العبادة، وغير القديم تعالى كما يستحيل أن يخلقنا يستحيل أن يخلق فينا الافعال على الوجه الذي يخلقها القديم عليه فصار لما ذكرناه تأثير.
قلنا: معلوم أن الثاني إذا كان كالتعليل للأول والمؤثر في المنع من العبادة فلان يتضمن أنكم مخلوقان وما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموه مما لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه فإنه لا شئ أدل على المنع من عبادة الأصنام من كونها مخلوقة كما أن عابدها مخلوق، ويشهد بما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر; " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون " (2)