بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٥
صنعوا " (1) وإنما أراد أن العصا تلقف الحبال التي أظهروا سحرهم فيها، وهي التي حلتها صنعتهم وإفكهم فقال: " ما صنعوا وما يأفكون " وأراد ما صنعوا فيه، وما يأفكون فيه، ومثله قوله تعالى: " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان " (2) وإنما أراد المعمول فيه دون العمل - وهذا الاستعمال أيضا سائع شائع - لأنهم يقولون: هذا الباب عمل النجار; وفي الخلخال: هذا من عمل الصائغ; وإن كانت الأجسام التي أشير إليها ليست أعمالا لهم، وإنما عملوا فيها فحسن إجراء هذه العبارة.
فإن قيل: كل الذي ذكرتموه وإن استعمل فعلى وجه المجاز والاتساع، لان العمل في الحقيقة لا يجري إلا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه، وإن استعير في بعض المواضع. قلنا: ليس نسلم لكم أن الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز، بل نقول:
هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه لان القائل إذا قال: هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلا أنه عمل فيه، وما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله: هذا من عمل فلان: هذا مما حله عمل فلان; فالأول أولى بأن يكون حقيقة، وليس ينكر أن يكون الأصل في الحقيقة ما ذكروه، ثم انتقل بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه، وصار أخص به ومما لا يستفاد من الكلام سواه كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحد، ولا اعتبار بالمفهوم من الألفاظ إلا بما استقر عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الأصل فوجب أن يكون المفهوم.
والظاهر من الآية ما ذكرناه على أنا لو سلمنا أن ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه، فمن ذلك (3) أنه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم، والتوبيخ لأفعالهم، والازراء على مذاهبهم، فقال " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " ومتى لم يكن قوله: " وما تعملون " المراد به تعملون فيه ليصير تقدير الكلام أتعبدون الأصنام التي تنحتونها، والله خلقكم وخلق هذه الأصنام التي تفعلون فيها التخطيط والتصوير لم يكن للكلام معنى ولا مدخل في باب التوبيخ، ويصير على ما يذكره المخالف كأنه

(١) طه: ٦٩ أقول: لقف الشئ: تناوله بسرعة.
(2) سبا: 13.
(3) في الأمالي المطبوع هكذا: منها ما يشهد به ظاهر الآية ويقتضيه ولا يسوغ سواه، ومنها ما تقتضيه الأدلة القاطعة الخارجة عن الآية، فمن ذلك أنه تعالى أخرج إه‍
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331