وأما قوله تعالى: " ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " فلا تعلق لهم بظاهره، لان السمع ليس بمعنى فيكون مقدورا، لان الادراك على المذهب الصحيح ليس بمعنى، ولو ثبت أنه معنى على ما يقوله أبو علي لكان أيضا غير مقدور للعبد من حيث اختص القديم تعالى بالقدرة عليه. هذا إن أريد بالسمع الادراك، وإن أريد به نفس الحاسة فهي أيضا غير مقدورة للعباد لان الجواهر وما تختص به الحواس من البينة والمعاني ليصح به الادراك مما ينفرد القديم تعالى بالقدرة عليه (1) فالظاهر لا حجة لهم فيه.
فإن قالوا: ولعل المراد بالسمع كونهم سامعين، كأنه نفى عنهم استطاعة أن يسمعوا. قلنا: هذا خلاف الظاهر، ولو ثبت أن المراد ذلك لحملنا نفي الاستطاعة ههنا على ما تقدم ذكره من الاستثقال وشدة المشقة كما يقول القائل: فلان لا يستطيع أن يراني، ولا يقدر على أن يكلمني، وما أشبه ذلك، وهذا بين لمن تأمله. (2) وقال رضي الله عنه: إن سأل سائل عن قوله تعالى: " قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " (3) فقال: أليس ظاهر هذا القول يقتضي أنه خالق لاعمال العباد؟
لان " ما " ههنا بمعنى " الذي " فكأنه قال: خلقكم وخلق أعمالكم.
قلنا: قد حمل أهل الحق هذه الآية على أن المراد بقوله: وما تعملون أي وما تعملون فيه من الحجارة والخشب وغيرهما مما كانوا يتخذونه أصناما ويعبدونها، قالوا:
وغير منكر أن يريد بقوله: وما تعملون ذلك، كما أنه قد أراد ما ذكرناه بقوله: " أتعبدون ما تنحتون " لأنه لم يرد أنكم تعبدون نحتكم الذي هو فعل لكم بل أراد ما تفعلون فيه النحت، كما قال تعالى في عصا موسى عليه السلام: " تلقف ما يأفكون، (4) " وتلقف ما