كثير ممن خلقنا تفضيلا " فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق، وذلك قوله " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم " وقوله " يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك " وفي آيات كثيرة، فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا، وغيره مسخر له، كما قال الله: " كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم " وقال:
" وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " وقال: " والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس " فمن أجل ذلك دعا الله الانسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة، بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا " وقوله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " وقوله: " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها " وفي آيات كثيرة، فإذا سلب العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله: " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج " الآية، فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الاعمال التي لا يقوم إلا بها، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك، ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وقوله في الظهار: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة " إلى قوله: " فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به، ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.