إلى الجبر فقد ظلم الله، ونسبه إلى الجور والعدوان، إذ أوجب على من أجبر العقوبة، ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله أن الله يدفع عنهم العقوبة، ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده، حيث يقول: " بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " وقوله:
" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " وقوله: " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما " مع آي كثيرة في هذا الفن، فمن كذب وعيد الله يلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر، وهو ممن قال الله: " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون " بل نقول: إن الله عز وجل جازي العباد على أعمالهم، ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم إياها فأمرهم ونهاهم، بذلك ونطق كتابه " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون " وقال جل ذكره: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه " وقال: " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم " فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به، ومثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب، وبالله التوفيق.
فأما التفويض الذي أبطله الصادق عليه السلام وخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل: إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم، وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته، وإلى هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول عليهم السلام، فإنهم قالوا لو فوض إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضى ما اختاروه، واستوجبوا به الثواب، ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الاهمال واقعا، وتنصرف هذه المقالة على معنيين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة، كره ذلك أم أحب، فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته، كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم