وأجراهما على محبتهم، إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه، ويعرف له فضل ولايته، ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه و وعده على اتباع أمره عظيم الثواب، وأوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه، ولم يقف عند أمره ونهيه، فأي أمر أمره به أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى، بل كان العبد يتبع إرادة نفسه، واتباع هواه، ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته، ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك، وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه، وقصد لإرادة نفسه، واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: اتكلت على تفويضك الامر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لان المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض، أوليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد، ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه فيكون عدله وإنصافه شاملا له، وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار. فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه، وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه؟ أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمره إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى عاجز عن عقوبته ورده إلي اتباع أمره، وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله، وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب، ومخالفة الكتاب، إذ يقول: " ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم " وقوله عز وجل: " اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقوله: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون " وقوله: " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " وقوله: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون " فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره
(٧٣)